قصائد الديوان الثالث ( الأجساد تسقط في البنفسج )

 الشاعر / إبراهيم زولي         

         فهرس قصائد الديوان الثالث

 
 
* فتنة

* قصائد البيّنات

* البنايات * يأتي من الغسق المخبأ * الأجساد تسقط في البنفسج

* ِعندما كنت في الثانوية

* البرق

* خاشعاً أحصد الغيم

* مطر يتخفّى * الشوارع * الجياع * الأربعون
* وصية

* ضـــــــوء

* لوحة * كما يحتفي الخبز بالملح * رأيتك في ضمد * الكلام الذي

* البينّات

* زيارة

* العابرون

* غير رمل الطريق

* كنت أجلس وحدي

* المزمّل بالوحشة

* الشــــــهود

* وعـــــــد

* زامر الطرقات

*غانية

* امرأة

* الساعة يأتي البحر

* أحاديث

* وقوفاً

* قمر واحد في السماء

* التلاميذ

* قفا نبك

* أيها الذاهل كالحكمة

 
 

 

إهداء

   
 

 

إلى عائشة
وهي تختزل النساء في
امرأة واحدة.
                                 
                    إبراهيم 
 

 
 

 

ِعندما كنت في الثانوية

   
 

 

هادئا كرمال الجزيرة
ينحدر الولد المتألق
في شارع الأدب العربي
يتأبط شعر الصعاليك
والمتنبي يرافقه ارض مصر
الحرائق أبصرها
- عندما كان في الثانوية -
تنبت في شجر اللوز
ولكنه هادئٌ
مثلما قرية في الحدود
ولم تتحمل بروقَ الحنين
سماواتُه
   ***
أيها الظل يا قابعا
في الكهوفْ
أيها الثلج هذي سواعدنا
منصوبة كالمشانق
كيف تعادي  البراري المطرْ
وتغادر هذي القصيدة أوزانها
يخرج اللحن من بين أوتاره؟
- عندما كان في الثانوية -
كانت له الأرض سوسنة
والطريق السفرْ.

 

 
 

 

الأربعون

   
 

 

عندما دقّ مسماره المتآكل
نعشَ الصّبا
قال:
 ما أجمل الحب
في الأربعينْ

هكذا يكتب

الشعراء خساراتهم.

 

 

 
 

 

الكلام الذي

   
 

 

الكلام الذي
تتسلق في كاحليه القصيدة
ممهورة بالرياح الجريحة
من جبهة الغيم
حتى الثرى
لم يعد في الكلامْ.
الطريق التي سوف
تصفح عن عابريها
تصافح خطْواتهم
لم تكن في الطريقْ.
واختلاف المحبين
في ساعة الإثم

أقرب ممّا ترى.

 

 
 

 

المزمّل بالوحشة

   
 


 

كحصان أتيتك
من جبهات القتال
تأمّلت فيك
سألتك:
كيف تكون القصيدة
                بحرا
                     وحبرا
على صَهوات الزمان؟
ابتدأتُ ،
تعلّق في سرْجك المرمريّ فؤادي
أجبني إذا ما الطريق
احتمى بيديك
وجئت على فرس الريح
مثل الغزاةِ

أجبْ يا صديقي المزمّل
بالوحشة الساحليّة
هبْ ساعةً
نتنادم فيها
نطارحها التعب القرويّ
أجبْ يا رفيقي
لك القلب مدّرع بالنشيد
يسمّيك ترنيمة
في حلوق البنات،
وأهزوجة تتدحرج
بين حلوق الرعاة
تعال، أعلّمك الآن
من حكمة العاشقين
وكيف يكون
الضلال المبين.

 

 
 

 

الساعة يأتي البحر

   
 

 

ليس لي الاّ الميادين فضاء
يا أبي:
 لم أتعلّم منك سرّ الرفض،
زرع الريح في قمصاننا
لا يستحمّ الفجر الاّ
من خليج الصمت والجدران.
يا بنت قفي شاهدة
كي أجلد الأشجار
تغوي الظلّ في القيلولة..

الساعة يأتي البحر
من نزهته
يرجمه الأطفال
بالحلوى، وبعض الغيم
يا بنت قفي
كي أقرأ التاريخ
مكتوبا بحرف أعجمي

 تهرب البنت إلى وحشتها
لم توصد الأبواب بالمزلاج
لكن، روحها الخضراء
صارت مطفأةْ.

 

 
 

 

أيها الذاهل كالحكمة

   
 

 

تهبط الأوراق
في ماء الكلام الرحب
في نبض المغيب
فجأة،
ينبت من ضوء الحقول
طفل قلبي, شارداً،
تلمع عيناه
أفِقْ يا أيها الذاهل
كالحكمة في شمس الخريف.

رغبة عمياء أو مبصرة
-لا فرْق -
تمتصّ دمائي
تستعيد العالم المنسيّ
في ينبوع روحي.
قمر أو قوس صياد أثيم
يشتهي صيد الغواة الساهرين.
البحر في زرقته
ساهٍ عن الجلاّد،
عن صمت الضحايا.
يا زمان الوصل في عينيك
في صحو المواويل
أنا لا أكتب الشعر لكي تغسل قلبي
من غبار الظن، أو رمل الضجيج.
أقَسَمَ المجنونُ
أن يفتح أسْرَ الكلمات
فتلاشى  كلُّ تاريخ الهباء
وحده الشاعر يبقى في الأعالي
صاعدا من خلف جدران الهشيم
باسما، ينقل للصبيان

عدوى الأغنيات.

 

 
 

 

الأجساد تسقط في البنفسج

   
 

 

مطر يهيئني
يضاجع ساعة في السرّ
صلصال القصيدة
شهوة خضراء تقتحم الطفولة
كلما اقتربتْ طيور الليل
من سقف الجنون.         
                   
أتذكّر الأجساد
تسقط في البنفسج
كالطرائد،
كابتسام الغصن للغيم الخئون.
من فيض لوعته
يجيء مكلّلا بالشعر
يصغي للعذوبة في غناء الحقل
يزهو وحده كالصالحين

يا منْ تغنّي
قلْ لهم:
من أنت؟
كيف تدور
في فلك المدائح والغبار  
تكاد تفتك بالسافة

قبل ان تصل البلاد.

 

 
 

 

الجياع

   
 

 

يجوع الجياع علانية
يحجب الظلّ أسماءهم.

مَنْ هو المستبدّ
الذي يتحكّم
في خبزهم؟

 

 
 

 

رأيتك في ضمد

   
 

 

رأيتك في ضمد
تغسل الماء بالماء
تحرث ارض الكتابة
باللغة السرمدية
يا آخر الرفقة القروية
كيف تكون الجبال على
راحتيك بهاء
أكنّا ضحايا القصيدة
في زمن ليس فيه نوافذ؟
يا شرفة العين،
شمس الظهيرة في الصيف
كيف التقينا إذنْ؟
آن أنْ نتحدث
عن قمر, ورغيف يتيم،
ومفردة للزمان الحميم.

 

 
 

 

كنت أجلس وحدي

   
 

 

حول قلبي
سلاسل من فضّة
يتلصّص تحت الشبابيك
وجه له رعشة الخوف                   
أفتحُ باباً فقدتُ ملامحه
ما اسم هذا الذي سوف يأتي
على غرّة؟
سأقول سلاماً، وأقرأ مما تيسّر
حتى أطمْئن روحي
ولا أفزع الطير فوق الغصون
الرصيف المجاور غافٍ،
بيوت المدينة،
            والشارع
                    المنزوي،
المفاتيح في سرّة الباب ما استيقظتْ
أتوسّل، أن تدخل البيت
 -لا أحد-
المواقد غافية،
والقصيدة فوق الأريكة
في الرمق المتأخّر،
كأس على مقعدي
نصف فارغة.

ها هنا كنت أجلس وحدي؛
سلاسل من فضة حول قلبي

إلخّ
   إلخّ

      إلى آخرِهْ

 

 
 

 

امرأة

   
 

 

من تكونين يا امرأة
لا تجيء سوى في الغياب؟
وعند احتراق المواسم                   
ألمحك الآن عابرة
شارع الروح
تنتظرين لقائي                        
مكلّلة بالهوى المتوحّش
والزمهرير  
      
جسدي متعب
نازلا في ظلام المسافة
والعزلة القرويّة
 تأخذني للبعيد  البعيد              
                               
أنا لم أعدْ فارسا
سيروّض فيك الجموح المشاكس،
يحصد عشب السريرة
وردتك الأنثويّة
غارقة في الملوحة
يا مهرة تستحثّ الغواية والإفك -
سوف يجففها
الفارس الورقيّ، وينفخ
من سرّه المتعطّش فيها
يعلّقها نجمة

في فضاء الحنين.

 

 
 

 

قفا نبك

   
 

 

قفا نبك..
لماذا الليل يأخذني بعيدا،
تخطف الطرقات ظلّي
صوب مجرى السيل،
نبع الماء
أطفال يجرّون المواويل
الحزينة خلف عاتقهم.

قفا نبك..
لماذا الليل يأخذني قريبا،
وردة في الغرفة الأخرى
المعرّي الآن يخرج
من لزومياته
سعدي ودنقل "لا تصالح"
أُحضر الشعراء
أكتب أول الأبياتْ:
قفا نبك    
قفا نبك.

 

 
 

 

يأتي من الغسق المخبأ

   
 

 

فتىً يأتي من الورد المخبّأ
ساهرا في الليل
تجرحه النجوم بضوئها
الممتدّ في عينيه               
يجلس قرب طاولتي
يفتش في مروج الوقت
عن تعبي،
 صباي،
غدي،
يقلّب دون مكترث-
هنالك عاشق, جمرٌ              
تهجّد في الهوى الفتّاك
حتى صار معتكفا
هلمّ إليّ يا جسدا تعفّر بالطفولة
سوف أسقي زرعك المحموم من عطشي      
تعال، أهدهد الحمّى
التي تنساب في بدني
 سهرتُ، سهرتُ،               
حتى جئتَ
ساقتْكَ التعاويذ،
              التمائم ،
أنت لي الوهّاج في الظلماء،
فجر يدي،
حرير دمي.

فتىً يأتي من الغسق المخبّأ
في غروب الروح

أعرفه, وينكرني.

 

 
 

 

الشوارع

   
 

 

الشوارع مغمورة
دائما بالحنين
الشوارع مأوى المجانين
                            والشعراء
الشوارع وجه المدينة،
                    قلب القرى،
                           وابتداء السفرْ.
الشوارع لا تستحمّ سوى
بمياه المطرْ                    
الشوارع قفرٌ
بساتين،          
اضرحة، وشجرْ.         
الشوارع كالكائنات
ترابط بالعين
مثل الصور.

 

 
 

 

نصفّد الهذيان فاتحة

   
 

 

سلاماً للفوانيس التي اشتعلتْ
تدلّ القادمين على دروب الفتح والأسلاف
لستُ سوى الفتى الممسوس
ينعش إثمه بالرمل والشطحات،   
مضطرب،
يعرّي أفقه المصقول بالياقوت،
محتدم،
يقايض ما تبقّى من ممالكه
لكي يبقى وسيما كالهلال،
كأجمل الفتيان في الحيّ الترابي                     
الذي لا يعرف الرغبات.
سوف أقول مزهوّا:
سلاما للخيول الربح،
معقود بجبهتها الجوائز
دمغة الشركات تلمع في نواصيها
سلاما للنوافذ
تحضن الظلماء راضية             
سلاما للجسور
تطلّ ضاحكة
ونحن نصفّد الهذيان
فاتحة  لمولدنا.            

 

 
 

 

كما يحتفي الخبز بالملح

   
 

 

المدينة نائمة بعد منتصف الليل
منذورة للحنين الفصيحْ
لست وحدك
في هذه الساعة الآثمةْ.
القصيدة واقفة
قرب باب الخليل بن احمد
هل تدخلين؟
المتدارك يحمل معطفه
في ليالي الشتاء
يضلّ الطريق إلى غرفتي.
غادرتْكَ الكتابة في آخر العمر
أنت الذي غسلتك المليحات
ثم التجأن إليك، وكنت تعاشرهنّ
كما يحتفي الخبز بالملح
والأرض
           بالمطر
                    الموسمي.

 

 
 

 

ارتّب فوضى الشجيرات

   
 

 

...هنالك كان أبي
يطعم الليل، والأرق المتكبّر، بعض رغيف السهرْ.
في الظلام، يقرّب نجمته من إناء الحنين،
يعاشرها خلسة عندما تتلمّس لون الخراب على ضفّتيه.
أنت علّمتْني أن أرتّب فوضى الشجيرات،
كيف أدعو الربيع إلى الحضرة القرويّة، معتمراً بالجلال،
بأغنية واحدةْ.
ليس لي أحدٌ يا أبي، فلمنْ سوف أفتح صدري،
يقاسمني الشاي بعد الظهيرة،
يوقظني للنداء المقدّس، والحلم مشتبكٌ
في غصون النعاس.
ليس لي غير وجهك،
من سَمَوات السكينة،  في جُنح الليل،
يشرق، والعالمين نيام، نيام!

 

 
 

 

غير رمل الطريق

   
 

 

الذي كان يسكن في الحيّ
طفل شقيٌّ،
يشاغب في الليل أحلامه
ويفيقُ، على وجهه قسمات البهاء
الأزقّة ميدانه، ومداهُ
يلوّن شارعه من ندى الكلمات
النجوم يبعثرها في المساء
جهة البحر أسئلة
ويفرّ إلى بيته
هاربا من غبار الطريق
الذي
كان
يعلق
في
ثوبه

 

لم يعد يتذكّر ذاك الفتى
غير رمل الطريق
الذي كان في
                        ثوبه
                                    عالقا
هو ذا
ي
   ت
       ك
          س
              ر
خلف الرغيف
يحوك قميص البلاهة في الليل                       
فيما الملامح تخرج عارية
باتجاه
الفناء.

 

 
 

 

غانية

   
 

 

تمشي على طرف الرصيف
تتدافع الكلمات،
تجلدها
وليل مالح
غابت ملامحه
يبللّها
ينام ممدّداً في عينها
كالموت
كالحزن الشفيفْ

تمشي على طرف الرصيفْ
ت
ه
و
ي

على طرف الرصيفْ.

 

 
 

 

التلاميذ

   
 

 

لماذا التلاميذ لا يخرجون
من البيت
الاّ وهم عابسون؟

مَنِ اللصُّ

يسرق أفراحهم؟         

 

 
 

 

البنايات

   
 

 

أتأمّل هذي البنايات
ممهورة بالزبرجد
اسأل:
أين الذي شيّدا؟
ومن حمل الصخرَ عاتقُه
للمدى؟

 

 
 

 

مطر يتخفّى

   
 

 

سوف يأتي
صباح جديد غدا
وعلى مهل
سوف يقبل مبتهجا
كالسنابل وهي تسلّم طائعة
عمرها للحصاد                 

سوف يأتي
كما مطر يتخفّى                      
وراء الضواحي البعيدة
كالعاشقين
يلمّ العذابات، والوجع المتكدّس
تحت الرماد
يكنس الظلمة الأبديّةَ..
        .      
يا أيّها الهامشيّون:
لاتقفوا في طريق الصباح غداً
عندما يعبر الدرب
مثل السلاطين،
يلوّح في هيبة بيديه
قفوا أيها ال..
نتماثل فيه
نسافر كالبدو
ملتجئين إليهْ.

 

 
 

 

لوحة

   
 

 

بالطباشير
يرسم طائرة
وسماءً رماديةً
فتية يلعبون
دخانا كثيفا يشقّ المدى.
كان يسمع صوت الرصاص
قريبا من الصفحة الورقية
وهو يحاول مجتهدا

رسم صورة أعدائه.

 
 
     
 

 

العابرون

   
 

 

يتجمّع من حوله العابرون
أأنت الذي تستحثّ الذنوبَ
لتخرج عارية            
في الأزّقة،
تحت ضفاف السواقي،
وتمتزج الحربُ بالحب          
والعسر باليسر
بين يديك؟

 

 
 

 

زامر الطرقات

   
 

 

من أين للكلمات هذا العطر
يا أحلى الصبايا؟
واقفا، والشعر منهمر
يحاول أن يعيد النهر للمجرى
أمدّ يدي على أعتابك الحبلى
بآلاف المواعيد الخجولة
زامر الطرقات هزّتْه القصيدة
خاشعا في حضرة الكلمات
ماذا الآن يكتب؟
عن صخور سوف تسقط
من أعالي الروح،
عن ورق يلمّ حنينه الأبديّ؟
أذكر ذلك الحسن المطوّق بالرياحين
الذي هيّأتْه للعشق

والسهر الأثيمْ.

 

 
 

 

قمر واحد في السماء

   
 

 

قمر واحد في السماء
يحوّم مثل الفراشة
فوق الخبوت،
البساتين،
حيطان منزلنا العاليةْ.
العصافير غافية
أيها القمر المتسلل في الليل
لا أحد في المدينة
غادرها الصحب
من سوف يأتيك
باللهب القرويّ،
يرمّم مائدة الضوء
يا أيها القمر المتسلّل
ليس طريقك يا سيدي من هنا

العناقيد في شجري بالية.

 

 
 

 

( قصائد البيّنات )

   
 

كتبت النصوص التالية بين عامي 1994و 1997م

 

 
 

 

البينّات

   
 

 

( 1 )

   
 

تمرّ عليّ الوجوه سراعاً
سوى وجهك القمريّ
فاقرأُ مما تيسّر من
كلمات المحبين
كي لا يغيب.
تعال إلى جنّة تتلظّى
ونارٍ يحنّ لها العاشقون
فإنّي رأيتك تصعد سلّمها
خائفاً وغريب.

 

 
 

 

( 2 )

   
 

أجيء إليك، وقلبي
حكايات عشق قديم
ألسْتَ الذي أشعل الروح
من عنبٍ يتدلّى على الشفتين
وأنْبتَ في ضفّة العمر
نخل اليقين
وأحيا الزمان الرميم.
أجيء إليك، وقلبي حكايات
عشق قديم.

 

 
 

 

( 3 )

   
 

تمرّ عليّ المساءات
في خلسةٍ من عيوني
سوى ليلة
جاذبتْك رياح الظنون
ولم تطمئنَّ لطير الهوى
حين حطّ على شجر الذكريات
وأوقد في جانبيك الصِّبا والجنون.

 

 
 

 

( 4 )

   
 

في دروب تضيء على خجل وحياء
وحيداً تسيرُ
ألم تنكر الليل حين
تجلّى هلال السهرْ
ولوّح بالسرِّ حتى اختفى.
لـه الأصدقاء تولّوا، ونادوا
بأعلى هواهم عليك، وكنت جريحاً
تنادم صحراء
ليس لها عاشق أو قمرْ.

 

 
 

 

( 5 )

   
 

حين تمضي وحيداً
ألا يخلف الشعر ميعاده
والمدينة تلهث خلفي
تخوّفني من ظلال البيوت
ولم يعد الدرب
من غيمة ومطرْ.

 

 
 

 

( 6 )

   
 

حين تأتي وحيداً
فؤادي يجوس الشوارع
يحمل فانوس أوجاعه
ويغنّي:
أنا العاشق المستبدّ
وأنت الجلال  الذي لا يموتْ.

 

 
 

 

ضـــــــوء

   
 

 

من السقف يهطل
ينسكب الآن
بين الأصابع
يندسّ في مقلتيّ
ولكن تحاصره الأجدرةْ
أتسلل أشرع نافذتي
هرع الضوء للطرقات الظماء
فلم يرها
حينما هرولت مدبرةْ .

 

 
 

 

أحاديث

   
 

 

أتداوي بريح الأحاديث
من شفتيك التي أثمرتْ
بلحاً
خَطـْوك الآن يسبقني فاتئدْ
كيف لا تشرق الأرض بالنعل
واللغة البكر بالأبجدية، والذاكرةْ.

هل أحبك قلت ؟؟
أنا لا أحب سوى
قرية في الجنوب
على جثتي ساهرةْ.

 

 
 

 

زيارة
"إلى روح أًمّي التي تتصاعد في الليل مثل البخور"

   
 

 

تطلّ عليه من الغيب
سمرتها القروية
نقشة حنّائها
والثياب الخجولة
رائحة المسك
والزنجبيل اليمانيّ .
يصرخ: أمّي
يجيب صدى الصوت : أمّي
تفيق العصافير في الليل ,
والشجر المتكسر أفرعه،
يفزع الأهل،
إخوته يسهرون على
جانبيه ْ

هو الحزن يقطف غصن
الطمأنينة الغضّ
كاد الصباح يخبئ طلعته
عندما أبصر الموت في مدخل الحيّ
يزحف
ي      ز      ح      ف
قالت لنا والجلال يسير
إلى قبة الضوء
مغتسلاً بالبياض :
هو الموت لا ريب فيه
* * *
التي شيّعتها النهارات
في فرح موسميّ
تطلّ عليّ من الغيب
سمرتها القروية
نقشة حنائها
والثياب الخجولة
رائحة المسك
والزنجبيل اليماني ّ
أكتب في أول السطر :
أمّي
تفتــــــّح زهر الطفولة
في الصفحة الورقية
أكتب ثانية
كي أزخرف آنية الشعر
من ياسمين الكلام على شفتيك ,
كم الأرض شاحبة
دونما كاحليك
قفي كي أحبك أجمل
مما مضى

تختفي فجأة
عن عيون المساء
وتعرج باسمة

للضياء الجليل .

 

 
 

 

خاشعاً أحصد الغيم

   
 

 

ما الذي فعلته الكآبة في ليلة البارحةْ
ولد يسلك الطرقات على حذر
حين يقسو عليه الكلام
على مهل يطرق الآن مملكة الروح
فتنته والبخور التهاميّ
بعض آياته

 

أيها العنبيّ بنا عطش
للينابيع
للورد
يا أيها المتألق في العين
أيقظْتَ ذاكرة
أطفأتها المواسم
ها أنت تبعث فيها اللهبْ.
خاشعاً أحصد الغيم
في وجهه الساحلي.
يا سماء الذين نحبّ:
امطرى ريثما يقف العاشق الفوضوي ّعلى بابه
هو ذا سلّمته الأزقّة من شبق مسّه
يتخبّط في عتبات الجسدْ.

 

ما الذي فعلته الغواية في ليلة البارحةْ
ولد يسلك الطرقات على فرح
حين يحنو عليه الكلام
تأخّر عن ساعة الأهل
يدخل حارته
في الممر الترابيّ
لكنّه في الظلام احتجبْ.

 

 
 

 

وصية

   
 

 

مُتْ كيف شئت
ولا تعدْ
جرحوك يا قلبي المكابر،
واستباحوا ماء من أهوى،
وتشرق في دمي .
مُتْ كيف شئت؛
السدر
والكافور
والكفن البياض .
يدعوك هذا المشهد الكحليّ
للفرح المسافر ,
للتوزع في الوجوه
الأقربون لهم وصيتك
الأخيرة
وانسحبْ :
لم يبق شيء يستحق لـه البقاء
إذنْ فموتوا كيف شئتم

 

 
 

 

فتنة

   
 

 

فناجين شاخصة
باتجاه الدلال
سرير يراود في غفلة
من عيوني الوسائد
والأوجه القمرية
ظامئة للهوى والجنون
الغصون المحنّاة
تشهق تحت المناديل
أهجس بالشعر
يسخر مني الرفاق كثيراً
دع الحبر والكلمات
أرى كل شيء يحن لفاتنه .
في المساءات
أُخرج من جسدي
سيد الفاتنين
أهيّئه للأناشيد
والسمَر الساحلي
يرقص الأصدقاء السهارى
وأصعد وحدي
لقطف عناقيده الناعسةْ
لا أرى أحداً
غير هذا الفضاء المرابط
والأنجم الجالسةْ .

 

 
 

 

وعـــــــد

   
 

 

كيف آنية المفردات تبلّ
الظمأْ
سوف أكسرها
وأعبّ مياه الكلام المضيء

الذي ما انتمى.

 

 
 

 

وقوفاً

   
 

 

هذه القرية ..
العاشقون على بابها واقفون.
- افتحوا بابها الخشبي
- (أكرة) الباب موصدة
والمفاتيح ليست لها
سلّمتها لسيدها العربي.
إنها لا تحب المطر
فليس لديها مروج تصافحها
في الصباح
ولكنها ترقب الليل

فالعاشقون على بابها واقفون.

 

 
 

 

الشــــــهود

   
 

 

ها أنت وحدك
دونما جسد
يقاسمك الحرارات الدفينة
والغبار الرطْب
تجلب ما تعسّر من أقاصي البال
إخوتك،
الأقارب،
فتية في الحيّ
تشهدهم ذباباً
في إناء العمر من زمن ينوسْ،
شمساً على عكازها الخشبيّ،
تلهث خلف سادتها،
نهاراً شاخصاً
بالباب ينتظر الجلوس ْ
يا موجعاً بالحسن
فلتصعد على درج الكلام
وشدّ أطراف القصيدة
في جهات الروح
واشهدْ كيف غاب الشعر
واستعْدوا عليك الليل
والجرح المخبأ تحت خاصرة الهوى
من أسلموك طريدة

للبرد والأرض العبوسْ .

 

 
 

 

البرق

   
 

 

إنه خلف تلك السفوحْ
ماؤه يتوقّد تحت السنابل
والأرض تتمايل في السرّ حتى يضيء.
متى ستكونين يا امرأة
كخيول الغزاة على جسدي؟
وتصيرين قرب عيوني
مرايا السهرْ

أنت والأرض
حين تحط ّالمسافات خلخالها
ويُجنّ بها الليل
تنتحبان
فيسقط بين الحقول القمرْ.